هل تساءلت يومًا عن سر تميز كوب القهوة المختصة؟ في عالم القهوة الواسع والمليء بالنكهات المتنوعة، يبرز مصطلح “القهوة المختصة” كنجم ساطع يجذب انتباه عشاق القهوة حول العالم. ولكن ما هي القهوة المختصة حقًا، وما الذي يجعلها استثنائية لهذه الدرجة؟
ماذا يعني قهوة مختصة؟
ـ
تعرّف جمعية القهوة المختصة (SCA)؛ القهوة المختصة كونها أعلى جودة حبوب بن خضراء تمت عملية تحميصها، لتحقيق أقصى إمكانات النكهة من قبل حرفيين حقيقيين، ثم يتم تحضيرها بشكل صحيح وفقًا لمعايير مطورة من قبل الجمعية نفسها.
وفقًا لهذه المعايير، يجب أن تحقق القهوة المختصة ما لا يقل عن 80 نقطة على مقياس الجودة، بالإضافة إلى التميز في عديد الخصائص (العطر والرائحة، النكهة، مذاق ما بعد عملية التذوق، الحموضة والحلاوة والتوازن بينهما، القوام، تناسق حبوب البن).
كما أن مفهوم القهوة المختصة يشمل أيضًا الاهتمام بالجوانب الأخلاقية والبيئية في سلسلة الإنتاج، مع التركيز على الاستدامة والتجارة العادلة، مما يضمن حصول المزارعين على أجر عادل مقابل جهودهم في إنتاج هذه الحبوب عالية الجودة.
عندما تستمتع بكوب من القهوة المختصة، فأنت لا تتذوق فقط مشروبًا لذيذًا، بل تختبر أيضًا ثمرة جهود متفانية وخبرة عميقة في عالم القهوة، وتساهم في دعم صناعة تقدر الجودة والاستدامة على حد سواء.
ما هي القهوة المختصة؟
لأكون أكثر دقة، نحن نتحدث عن مرحلة ما قبل عملية التحميص. أي أننا نتحدث عن محاصيل القهوة المختصة؛ ما طبيعة حبوب البن الخضراء التي تصنف كقهوة مختصة ؟
تُعد حبوب الأرابيكا والروبوستا من أكثر أنواع القهوة شيوعًا، إلا أن حبوب الأرابيكا فقط هي التي تُعتبر قهوة مختصة نظرًا لجودتها العالية وقدرتها على تقديم نكهات استثنائية. تنمو هذه الحبوب في مناطق محددة مثل إثيوبيا وكينيا، حيث توفر الظروف المناخية والجغرافية البيئة المثالية لإنتاج بن عالي الجودة. ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فكل مرحلة من مراحل الإنتاج – بدءًا من الزراعة، مرورًا بالحصاد والمعالجة، وصولاً إلى التحميص والتقديم – تلعب دورًا حاسمًا في صناعة كوب قهوة مختصة لا يُنسى.
بشكل عام، تتميز القهوة المختصة بجودتها الفائقة ونكهتها الفريدة التي تتفوق على القهوة التجارية بأشواط. كونها تحظى برعاية فائقة طوال دورة حياتها؛ هذا الاهتمام الاستثنائي يبدأ من اختيار البذور ويستمر خلال مراحل الزراعة والحصاد والمعالجة. في ما يلي، سنأخذك في رحلة شيقة عبر المراحل الأربعة الأساسية لصناعة القهوة المختصة، مما سيساعدك على فهم ما يجعل هذا النوع من القهوة فريدًا ومميزًا حقًا.
زراعة القهوة
تعد مرحلة زراعة – نمو القهوة مهمة في دورة حياة القهوة. فإذا لم تتم زراعة القهوة ورعايتها بشكل صحيح، فلن تنتج النكهات والروائح المميزة التي نتوقعها من القهوة المختصة. لذلك، يولي المزارعون اهتمامًا فائقًا لظروف الزراعة والعناية بالمحصول.
عند زراعة بن الأرابيكا، وهو النوع الوحيد المعتبر في فئة القهوة المختصة، هناك نوعان من الظروف المثالية للزراعة.
النوع الأول نجده في المناطق شبه الاستوائية التي تقع بين خطي عرض 16 و24 درجة. تتميز هذه المناطق بموسمين: موسم ممطر وآخر جاف، مما ينتج عنه موسم واحد لنمو القهوة وآخر لنضجها. في هذه الظروف، تتم زراعة القهوة على ارتفاع يتراوح بين 550 و1100 متر تقريبًا. تعد البرازيل، أكبر دولة منتجة للقهوة في العالم، مثالاً جيدًا على بلد يتمتع بمناخ شبه استوائي مثالي لزراعة القهوة.
أما النوع الثاني من الظروف المثالية فنجده في المناطق الاستوائية، التي تقع على خط عرض أقل من 10 درجات. في هذه المناطق، تتم زراعة القهوة على ارتفاعات أعلى، تتراوح بين 1100 و1800 متر تقريبًا. ونظرًا لكمية الأمطار الكبيرة في هذه المناطق، فإنها تتميز بوجود موسمين للحصاد. الموسم الأول يشهد أعلى معدل هطول للأمطار، بينما يشهد الموسم الثاني أقل معدل. تشتهر دول مثل كينيا وكولومبيا بهذه الظروف المثالية لزراعة القهوة، حيث تنتج بعضًا من أفضل أنواع القهوة المختصة في العالم.
تلعب هذه الظروف المناخية والجغرافية دورًا حاسمًا في تطوير النكهات الفريدة للقهوة المختصة. فالارتفاع، ودرجة الحرارة، وكمية الأمطار، ونوع التربة، كلها عوامل تؤثر بشكل كبير على جودة حبوب البن.
بالإضافة إلى اختيار الموقع المناسب، يقوم المزارعون بتطبيق ممارسات مستدامة ودقيقة. وهذا يشمل اختيار أفضل البذور، وتطبيق تقنيات ري وتسميد متطورة، ومكافحة الآفات والأمراض بطرق صديقة للبيئة، وتقليم الأشجار بعناية لضمان نمو صحي ومتوازن. كل هذه الجهود تهدف إلى إنتاج حبوب بن ذات جودة استثنائية، تشكل الأساس لإنتاج قهوة مختصة ذات نكهة فريدة ومميزة.
الحصاد – قطف ثمار القهوة
تختلف طريقة حصاد القهوة المختصة عن طرق حصاد القهوة التجارية العادية. عندما يتعلق الأمر بالقهوة التجارية، يمكن للمزارعين “تجريد” الأشجار. حيث يتم سحب جميع الثمار من الشجرة دفعة واحدة؛ الناضجة وغير الناضجة. كما قد تُستخدم آلات الحصاد لجمع الثمار بسرعة وتكلفة أقل. ورغم أن هذه الطرق فعالة من حيث الوقت والتكلفة، إلا أنها لا تضمن الحصول على أعلى جودة ممكنة.
أما في حالة القهوة المختصة، فإن عملية الحصاد دائمًا ما تتم بطريقة يدوية وبعناية فائقة. فبدلاً من “تجريد” الأشجار، يقوم العمال بتفقد الأشجار كل 8-10 أيام لقطف الثمار التي قد وصلت إلى ذروة النضج. هذه الطريقة تضمن جمع الثمار الناضجة فقط، وليس خليطًا من الثمار الناضجة وغير الناضجة.
في المتوسط، يستطيع العامل الواحد جمع ما بين 45-90 كيلوغرامًا من ثمار القهوة يوميًا، وهو ما ينتج حوالي 9-18 كيلوغرامًا من حبوب البن. هذه الطريقة في الحصاد تتطلب جهدًا أكبر وتكلفة أعلى، لذلك فهي تُستخدم حصرا لحصاد حبوب الأرابيكا عالية الجودة المستخدمة في إنتاج القهوة المختصة.
معالجة القهوة
بعد عملية القطف تأتي مرحلة المعالجة، حيث يستخدم المزارعون ثلاث طرق رئيسية لمعالجة ثمار القهوة المختصة. غالبًا ما يعتمد اختيار الطريقة على الظروف البيئية للمنطقة. فيما يلي نظرة عامة على هذه الطرق:
المعالجة الرطبة ( المغسولة )
عند النظر إلى ثمار القهوة، ستلاحظ وجود لُب يحيط بالحبة تغلفه القشرة. وعند المعالجة المغسولة يتم إزالة هذا اللب عبر تمرير الثمار أولاً عبر آلة لإزالة القشرة، ومن تم امتصاص الحبة للسكريات الطبيعية والمواد المغذية الموجودة في اللب قبل إزالته بالغسل.
بعد إزالة القشرة، تُطفو الثمار في خزان التخمير، حيث يتم إزالة أي بقايا من اللب. يعتمد الوقت الذي تقضيه الثمار في خزانات التخمير على الارتفاع ودرجة الحرارة. وعادةً ما تستغرق هذه العملية ما بين 12 إلى 24 ساعة. تُعرف القهوة المعالجة بهذه الطريقة بنظافة نكهتها ووضوح حموضتها.
المعالجة العسلية
اكتسبت هذه الطريقة شعبية متزايدة بين المزارعين في أمريكا الوسطى نظرًا لأنها تستخدم كمية أقل من المياه مقارنة بالمعالجة المغسولة، مما يجعلها صديقة للبيئة. تبدأ العملية بإزالة كل من القشور واللب المحيطين بحبوب القهوة، مما يترك جزءاً من الصمغ (ميسيلاج) ملتصقًا بالحبوب.
هذا الصمغ المتبقي هو ما يمنح هذه الطريقة اسمها “العسلية”، نظرًا لملمسه اللزج الشبيه بالعسل. بعد ذلك، يتم تجفيفها تحت أشعة الشمس. يمكننا تشبيه هذه العملية بأخذ حمام شمس، حيث تُفرش الحبوب تحت أشعة الشمس لتجف ببطء.
نظرًا لوجود الصمغ، تصبح الحبوب أكثر عرضة لنمو العفن وتلف الحشرات. للتغلب على هذا التحدي، يقوم المزارعون بتقليب الحبوب بانتظام وحمايتها بعناية خلال فترة التجفيف. تختلف كمية الصمغ المتروكة على الحبوب، مما ينتج عنه أنواع مختلفة من المعالجة العسلية (الأبيض – الأصفر – الأحمر و الأسود). كلما قلت كمية الصمغ المتروكة على الحبوب، تسارعت عملية التجفيف وأصبحت الحبوب ذات لون أفتح.
تتميز القهوة المعالجة بهذه الطريقة بتوازن فريد بين الحموضة والحلاوة، مع نكهات فاكهية لطيفة وجسم ممتلئ. كما أنها غالبًا ما تتميز بلمسة من الحلاوة الطبيعية التي تشبه العسل، مما يجعلها مفضلة لدى العديد من عشاق القهوة المختصة.
المعالجة الجافة (الطبيعية)
الطريقة التقليدية والأقدم للمعالجة. بعد القطف مباشرة، يتم نشر ثمار البن كاملة على مساحات تجفيف واسعة. تُترك الثمار لتجف في الشمس لعدة أسابيع، مع تقليبها بانتظام لضمان التجفيف المتساوي. عندما تصل الثمار إلى مستوى الرطوبة المطلوب، تتم إزالة القشرة واللب الجاف ميكانيكيًا.
في السنوات الأخيرة، أصبحت المعالجة المغسولة والعسلية أكثر شيوعًا في إنتاج القهوة، مما أدى إلى تراجع استخدام الطريقة الطبيعية. ومع ذلك، يعتقد العديد من خبراء القهوة أنه مع تحسين الاتساق في الطريقة الطبيعية، فإنها قادرة على إنتاج قهوة ذات مذاق استثنائي، تمامًا مثل الطريقتين الأخريين. تتميز القهوة المعالجة بالطريقة الطبيعية بنكهة فاكهية قوية وجسم ممتلئ.
اختيار طريقة المعالجة يعتمد على عدة عوامل، منها المناخ المحلي، والموارد المتاحة، والنكهة المرغوبة للمنتج النهائي. كل طريقة تؤثر بشكل مختلف على النكهة النهائية للقهوة، مما يضيف طبقة إضافية من التعقيد والتنوع إلى عالم القهوة المختصة.
التجفيف
تنتهي رحلة إنتاج حبوب القهوة المختصة بمرحلة التجفيف، حيث تُخفّض نسبة الرطوبة من 60% إلى حوالي 10-12%. خلال هذه العملية، تتم مراقبة مستويات الرطوبة باستخدام أجهزة قياس دقيقة. عادةً ما يتم فرش الحبوب على أسرّة مرتفعة في مساحات شاسعة تسمح بمرور الهواء، مع تقليبها بشكل دوري لضمان توزيع متساوٍ لأشعة الشمس. يُسهم التجفيف تحت أشعة الشمس في الحفاظ على جودة الحبوب وقوة نكهتها لأطول فترة ممكنة.
لتنتقل حبوب القهوة المختصة في حالتها الخام إلى إحدى محامص القهوة، في إطار صفقة تجارية عادلة تضمن للمزارعين عوائد منصفة ومستدامة، وللمحمصين محاصيل ذات جودة عالية. يتولى مُحمّصو القهوة المحترفون – ويفضل أن يكونوا معتمدين من قبل جمعية القهوة المختصة (SCA) – تحميص هذه الحبوب بمهارة ومعرفة عميقة لإنتاج درجات تحميص مثالية تُبرز النكهات الفريدة لكل حبة.
لمزيد من التفاصيل حول فن تحميص القهوة وأهميته في إبراز أفضل النكهات، ندعوك للاطلاع على “تحميص القهوة: دليل شامل من الحبة إلى الكوب“.
ما يميز كيس القهوة المختصة عن كيس القهوة التجارية الذي يمكنك الحصول عليه بسهولة من أي بقالة، ليس فقط الجودة والنكهة وكل المزايا التي تناولناها سابقًا، بل أيضًا الوضوح والشفافية. كيس القهوة المختصة يروي في تفاصيله دورة حياة الحبوب، مما يتيح لك معرفة منشأ تلك الحبوب بدقة. فهو لا يكتفي بتحديد المنطقة أو البلد الذي جاءت منه القهوة، بل قد يشمل أيضًا ذكر المزرعة نفسها، وأحيانًا أسماء المزارعين، بالإضافة إلى تفاصيل عملية المعالجة، وأخيرًا ملف / بروفايل التحميص.
“القهوة المختصة مميزة للغاية لأنها تقدر الاستدامة والجودة والتعاون، والأهم من ذلك، تقديرُها للناس.”
هل أنت مستعد لاكتشاف المزيد عن عالم القهوة واحتراف صناعتها؟ ندعوك للانضمام إلى دورتنا التعليمية أساسيات عالم القهوة. ابدأ رحلتك الآن وكن جزءًا من مجتمع يقدّر القهوة ذات الجودة الاستثنائية.